هل نربي روبوتات أم بشر؟.. جدل المواد الأدبية وتحديات العصر

14/08/2024

مقدمة:

في عالمنا المعاصر الذي يتسارع فيه التطور التكنولوجي، وتهيمن فيه المعرفة المعلوماتية على كل جوانب الحياة، برزت أصوات تطالب بإعادة النظر في المناهج الدراسية، وتحديداً في المواد الأدبية التي لطالما شكلت حجر الزاوية في بناء الشخصية وتكوين العقل.
يدعي بعضهم أن المواد مثل التاريخ والجغرافيا والفلسفة والمنطق واللغات قد عفا عليها الزمن، وأنها لا تلبي متطلبات سوق العمل، داعين إلى استبدالها بمواد أكثر “عملية” مثل التسويق ومهارات الاتصال والتنمية البشرية. إن هذا الطرح، وإن بدا معقولاً للوهلة الأولى، إلا أنه ينطوي على سوء فهم عميق لدور التعليم ومهمة المدرسة.
فالمدرسة ليست مجرد مصنع لإنتاج عمالة ماهرة، بل هي مؤسسة تربوية تهدف إلى تنمية قدرات الطالب الشاملة، وإعداد فرد قادر على التفكير النقدي والإبداعي، والحوار البناء، والتعامل مع التحديات المختلفة التي تواجهه في الحياة.

أهمية المواد الأدبية:

>

1- بناء الشخصية:

تساهم المواد الأدبية في تشكيل هوية الفرد، وتعرفه بتاريخه وحضارته، وتنمي لديه الانتماء لوطنه وشعبه وأمته. كما تساعده على فهم الآخرين واحترام ثقافاتهم، وبالتالي تعزيز التماسك الاجتماعي.

2- تنمية القدرات العقلية:

تطور المواد الأدبية القدرة على التحليل والنقد والتقييم، وتساعد على بناء المنطق السليم وتقوية الذاكرة.

كما تعزز القدرة على التعبير عن الأفكار بوضوح وبيان Hن دراسة التاريخ والجغرافيا والفلسفة والمنطق واللغات إنما هي تأسيس لبناء العقل الذي يفكر والقلب الذي يستشعر، ومن ثم الأداء الملهم الذي ينعكس عبر سلوك وممارسات أخلاقية واعية تساهم في البناء وليس الهدم، لأنها تصدر عن إنسان وليس روبوت.

3- إثراء المعرفة:

تفتح المواد الأدبية آفاقاً جديدة للمعرفة، وتوسع مدارك الطالب، وتجعله أكثر وعياً بالعالم من حوله.

4- تطوير المهارات اللغوية:

تساهم المواد الأدبية في إتقان اللغة، وتنمية القدرة على القراءة والكتابة والتحدث والاستماع، وهي مهارات أساسية في أي مجال من مجالات الحياة.

5- الهدف من التعليم ليس إنتاج روبوتات:

إن التركيز على المواد العلمية والتقنية على حساب المواد الأدبية يؤدي إلى تكوين أجيال من الأفراد الذين يفتقرون إلى الروح الإنسانية، والقدرة على التفكير النقدي والإبداعي والحوار البناء.

فالهدف من التعليم ليس إنتاج روبوتات قادرة على تنفيذ المهام الموكلة إليها، بل تكوين أفراد قادرين على اتخاذ القرارات الصائبة، وحل المشكلات المعقدة، والابتكار والتجديد.

6- سوق العمل يتطلب أكثر من المهارات التقنية:

من الخطأ الاعتقاد أن سوق العمل لا يحتاج إلا إلى الخريجين الذين يحملون شهادات في العلوم والتكنولوجيا. فالشركات تبحث عن موظفين يتمتعون بمهارات اتصال جيدة، وقدرة على العمل الجماعي، وحل المشكلات، والتفكير الإبداعي، وهي جميعها مهارات تكتسب من خلال دراسة المواد الأدبية.

مقترحات للتطوير:

بدلاً من إلغاء المواد الأدبية، يجب العمل على تطويرها وتحديثها لتتناسب مع متطلبات العصر. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:

أ- ربط المواد الأدبية بالحياة المعاصرة:

يمكن ربط دراسة التاريخ والجغرافيا والفلسفة بالمشكلات المعاصرة التي تواجه العالم، مثل التغير المناخي، وحروب المياة والصراعات الدولية، وقضايا البيئة، والقضايا الأخلاقية.

ب- استخدام التكنولوجيا في التدريس:

يمكن استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الحاسوب والإنترنت والوسائط المتعددة لجعل المواد الأدبية أكثر جاذبية وتفاعلية.

ج- تدريب المعلمين:

يجب تدريب المعلمين على استخدام أساليب تدريس حديثة، وتزويدهم بالمهارات اللازمة لجعل المواد الأدبية أكثر إثارة للاهتمام وإأ يتم تفعيل التدريب عن بعد عبر استخدام المنصات الإلكترونية توفير للوقت والجهد، وتحفيز المعلمين بأن يهتموا بالتدريب على المستوى المهني والأكاديمي.

د- تشجيع القراءة:

يجب تشجيع الطلاب على القراءة والتعلم الذاتي، وتوفير بيئة مدرسية تحفز على ذلك.

أخيرًا:

علينا أن ندرك أن تطوير التعليم لا يعني أبدًا النظر إليه على أنه حذف وإضافة لمواد ومقررات، وأن الاجتهاد يكون على مستوى الفرد، التطوير يجب أن ينطلق من رؤية وفلسفة واضحة ومنطق واضح عبر فرق عمل ورؤية مجتمعية تنطلق من قراءة واعية لتاريخ التعليم والتربية، على أن نحترم جغرافية الوطن والتي حاول المستعمر عبر عقود تشويهها وتقطيعها ومحاولة النيل منها، إنها جغرافية الموقع والموضع التى تحدث عنها المبدع جمال حمدان معبرًا عن خصوصية جغرافية مصر معبرًا عن أهميتها وموجهًا إلى ضرورة احترامها وتقديرها.

وأخيرًا إن المواد الأدبية ليست ترفاً، بل هي ضرورة حتمية لبناء مجتمع متعلم ومتطور.

يجب علينا أن نحافظ على هذه المواد، وأن نعمل على تطويرها لتلبية احتياجات العصر، تطوير مبني على تدريس التاريخ الحقيقي وليس المزيف، تدريس قضايا الأمة ومنها القضية الفلسطينية، وتدريس قضايا المناخ والبيئة، تدريس قضايا تؤسس لبناء الإنسان الحضاري عبر الحفاظ على القيم واحترام اللغة وأن نغرس في أذهان الطلاب أهميتها في تكوين شخصيتهم وتنمية قدراتهم.

إن المواد الأدبية ليست ترفًا بل ضرورة حتمية وإن العلوم الإنسانية هي التي تشكل الهوية.