كارثة التعليم
إعادة هيكلة الثانوية العامة بين التسرع والتخبط

15/08/2024

لا شك أن التعليم هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الأمم، وهو الاستثمار الحقيقي في المستقبل. ومع ذلك، فإن القرارات المتسرعة والمتهورة التي تتخذها وزارة التربية والتعليم في مصر بشأن إعادة هيكلة نظام الثانوية العامة تثير القلق والخوف على مستقبل الأجيال القادمة، ومن المدهش والغريب أن يتم ذلك بين ليلة وضحاها دون علم مسبق ودراسة متأنية، بل يتم الإعلان عن منظومة إعادة هيكلة المرحلة دون استشارة أهل التخصص من العلماء والمتخصصين، وإشراك الرأي العام المجتمعي من المعلمين وأولياء الأمور والطلاب.
إلغاء مواد أساسية وتجاهل الآراء المتخصصة:
من أبرز ما يثير الاستغراب في هذه الإصلاحات هو إلغاء مواد أساسية كالفلسفة والمنطق وعلم النفس للشعب الأدبية، بالإضافة إلى دمج مواد علمية وتقليص ساعات دراسة اللغات. هذه القرارات اتخذت دون استشارة أهل الاختصاص في المجالات الأكاديمية والتربوية، مما يدل على استخفاف بقيمة الرأي العلمي والخبرة المتراكمة.
التسرع في التنفيذ وتجاهل الواقع الميداني
من المدهش أن يتم تطبيق هذه الإصلاحات الجذرية في بداية العام الدراسي الجديد دون فترة كافية للإعداد والتجهيز. هذا التسرع يؤكد غياب الرؤية الشاملة والاستراتيجية للإصلاح التعليمي، ويعكس عدم إدراك صعوبة تطبيق مثل هذه التغييرات في بيئة تعليمية تعاني من مشاكل عديدة، كالنقص الحاد في المعلمين وعدم كفاءة البنية التحتية.
تداعيات خطيرة على مستقبل التعليم:
ولعل ما يتم الإعلان عنه بأنه إعادة هيكلة، إنما يؤشر إلى معنى واحد فى ظل الشراكة الحقيقية ألا وهو استمرار فوضى وفوبيا الثانوية العامة، والمشكلة ليست فى تقليص العدد، وإنما في غياب العدة والعتاد وغياب المدرسة أصلًا، إن التسرع في فرض منظومة جديدة على الرأي العام قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة على العملية التعليمية وعلى مستقبل الطلاب، من أبرزها:
1- تضييق آفاق التفكير والإعداد النفسي والعلمي للطلاب:
عبر إلغاء مواد أساسية مثل الفلسفة والمنطق وعلم النفس، وإلغاء اللغة الأجنبية الثانية، وإلغاء الجيولوجيا كمادة أساسية، ودمج مقررين فd مقرر واحد (الكيمياء والفيزياء) ودمج فروع الرياضيات ضمن مقرر واحد، واعتبار الجغرافيا ضيف شرف في المرحلة الثانوية، ولا نعلم ما الذي سوف يتم حذفه أو إضافته في التاريخ، كل ماسبق قد يساهم في حرمان الطلاب من اكتساب مهارات التفكير النقدي والتحليلي والحوار، وهي مهارات ضرورية في الحياة العملية، فى حين أن من أهداف التدريس في تلك المرحلة تنمية تلك المهارات وغيرها.

2-تدهور المستوى العلمي:
دمج المواد العلمية وتقليص ساعات دراستها سيؤثر سلبًا على فهم الطلاب للمفاهيم العلمية الأساسية.

3-ضعف الكفاءة اللغوية:
تقليص ساعات دراسة اللغات الأجنبية سيؤثر على قدرة الطلاب على التواصل والتنافس في سوق العمل العالمي.

4-زيادة العبء على الطلاب:
التغييرات المتسارعة في المناهج الدراسية ستزيد من الضغط على الطلاب وستؤثر سلبًا على تحصيلهم الدراسي.

5-تفاقم أزمة الدروس الخصوصية:
في ظل هذه التغييرات المتسارعة، سيلجأ العديد من الطلاب إلى الدروس الخصوصية لتعويض النقص في المعرفة والمهارات، ومن ظن أنه سوف يقضي على الدروس بما يسمى بإعادة الهيكلة فهو واهم ، سوف تستمر ومعها سوف يستمر استنزاف أولياء الأمور ماديًا ونفسيًا، وسوف يتسع سوق الجامعات الخاصة والمدارس الخاصة.

حلول مقترحة:
1-إعادة النظر في القرارات:
يجب إعادة النظر في جميع القرارات المتخذة بشكل عاجل، مع الأخذ في الاعتبار آراء الخبراء والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور.

2-الحوار المجتمعي:
يجب فتح حوار مجتمعي واسع النطاق حول مستقبل التعليم في مصر، مع إشراك جميع الأطراف المعنية.

3-تطوير المناهج الدراسية:
يجب تطوير المناهج الدراسية لتكون أكثر شمولية وتلبية احتياجات سوق العمل.

4-تدريب المعلمين: يجب توفير برامج تدريبية مكثفة للمعلمين لتأهيلهم للتعامل مع المناهج الجديدة.
5-توفير الموارد اللازمة:
يجب توفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لتحسين جودة التعليم، لا يعقل أن تغيب المدرسة ويغيب المعلم عن المشهد، من المهم أن تكون هناك مسابقات جادة لتعيين المعلمين، ولسد العجز في كل التخصصات، وأن يكون الخطاب للمجتمع فيه من المصارحة الجادة، وما ينفق على الدروس الخصوصية، ينفق على التطوير الحقيقي وبناء وتطوير المعلم والمدرسة، في حال عادت الثقة بين المزل والمدرسة.

5-مكافحة الدروس الخصوصية:
يجب اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة الدروس الخصوصية، وتحسين جودة التعليم داخل المدارس، ولقد أثبتت التجارب السابقة الفشل المستمر في مواجهتها، لغياب الإرادة والإدارة وانتشار الفساد والمحسوبية، هذا معلم مشهور وله مدارس دولية، وهذا مسئول مشهور وله مدارس دولية، لا نعترض على ملكية المدارس ولكن نعترض على أن التعليم تحول إلى تجارة ومن يدفع أكثر يملك أكثر ويسمع له، ولهذا القضاء على الدروس الخصوصية يحتاج إلى إعادة الثقة بين المعلم والوزارة وبين أولياء الأمور والوزارة، استعادة الثقة يحتاج إلى عودة المدرسة الحقيقية، عودة المعمل الحقيقي، والنشاط الحقيقي (الرياضي، والثقافي، والفني، والموسيقي) عودة الكشافة، وعودة الحياة إلى البيئة المدرسية، هذا في حال عاد المبنى والمعنى وعاد المدير الحقيقي وليس المحسوب على التبعية والفساد سواء على مستوى الإدارة العليا أو الإدارة الوسطى أو المدرسة.

6-تقييم مستمر:
يجب إجراء تقييم مستمر لآثار هذه الإصلاحات على أداء الطلاب وتحسين النظام التعليمي باستمرار.

الخلاصة:
إعادة هيكلة نظام الثانوية العامة في مصر هي خطوة مهمة، ولكن يجب أن تتم بشكل مدروس ومتأنٍ. يجب أن يكون الهدف الأساسي هو تحسين جودة التعليم وتلبية احتياجات الطلاب وسوق العمل. يجب أن يتم ذلك من خلال الحوار المجتمعي والشراكة بين جميع الأطراف المعنية.وإلى أن يتم ذلك نحن في الانتظار ، وإلا ما نقول ونكتب ليس إلا صدى أصوات في فراغ غاب عنه من يسمع وبقى من يصرخ ولا مجيب، وسوف تغرق السفينة بكل من فيها ووقتها لن ينفع الندم.
وأخيرًا قد تبدو دعوتي شخصية، ولكني على يقين أنها دعوة كل العقلاء ممن يحبون هذا الوطن وينتمون إليه بشكل حقيقي.
أدعو معالي رئيس الوزارء ومعالي وزير التعليم وكل من شارك في رسم تلك الهيكلة من المسؤولين إلى التراجع عن هذه القرارات المتسرعة، وإلى فتح حوار وطني جاد حول مستقبل التعليم في مصر.